متبعة دقيقة ومهنية للأخبار الساخنة لمدينة ازويرات وولاية تيرس زمور. لمراسلتنا: zourate1960@gmail.com هاتف :22237948

السبت، 18 مايو 2013

سلطان العلماء (مقال للأستاذ: محمد ولد حمين – دولة الكويت)

 بقلم الأستاذ: محمد ولد حمين- دولة الكويت

مدونة ازويرات الآن(مقال)/ لا تزال الأمة بخير ما دامت مسيرة الإصلاح فيها تقاد من قبل ورثة الأنبياء وهم العلماء الذين يخلفون النبي صلى الله عليه وسلم في أمته في كل جيل وفي كل عصر، مصداق ذالك ما رواه ابن عبد البر والخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث من حديث عبد الله بن مسعود: "يحمل هذا الدين من كل خلف عدوله فينفون عنه تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين، ولم تزل سماء الأمة مليئة بأقمار يتقدمون ركب الإصلاح والتغيير من أمثال الأئمة الأربعة والعز بن عبد السلام وسلطان الأندلس: المنذر بن سعيد البلوطي الذي كان يصدع بالحق على منابر قرطبة أمام الناصر لدين الله، لا يخيفه رهب ولا يطمعه رغب.


وفي العصر الحديث عصر الثورة المباركة يتصدر هذا الركب الميمون: علامة العصر ومجتهده الشيخ يوسف القرضاوي الذي ظلت كتاباته تربي أجيال الصحوة المباركة على الاعتزاز بانتمائها والتضحية في سبيل مبادئها، كما ظل صوته على المنابر يجلجل وخطبه المباركة يصل صداها إلى عروش الظالمين فتهتز أركانها مستشعرة خطر مداد العلماء باعتباره وقودا لدماء الشهداء.

لقد نيَّف الشيخ على السادسة والثمانين وما لانت له قناة في قول الحق. خطبه في مسجد عمر في الدوحة وبرنامجه في الشريعة والحياة وفتاواه المتعلقة بالثورة المعاصرة كان لها الأثر البالغ في خروج الآلاف والملايين لتتلمس طريق العزة والكرامة وكان الشيخ في كل ذلك ينشد مع الجماهير المحتشدة قوله:

قلت الحيـاة هــي التحرك *** لا السـكــون ولا الهمــود
وهي التفاعــل والتطــور *** لا التحجـــر والجمـــود
وهـي الجهـاد وهـل يجاهد *** مــن تعلــق بالقعـــود
وهـي الشعــور بالانتصـار *** ولا انتصــار بلا جهـود
وهـي التلــذذ بالمتاعـب *** لا التـلــذذ بالــرقــود
هي أن تـذود عـن الحياض *** وأي حـــر لا يــــذود
هي أن تحـس بأن كأس الذل **** مـن مــاء صــديــد
هي أن تعيش خليفة في الأرض *** شــأنك أن تســـــود
وتقــول لا وبمــلء فيـك *** لكـل جبــار عنيـد

وفي ليبيا أرض عمر المختار يبرز فقيه المالكية الدكتور صادق الغرياني الذي عرفته من خلال كتاباته العلمية في مجال الفقه والقواعد، وهي تشير بشكل واضح إلى رسوخ قدم الشيخ في هذا المجال (مدونة الفقه وأدلته، تلخيص القواعد الفقهية)، لكن معرفتي بالرجل ازدادت عمقا يوم وقف شامخا أمام نظام القذافي في أوج قوته مع تباشير الثورة حيث سطر بمداد يشرف علماء هذه الأمة فتواه المشهورة التي دعى فيها الشعب الليبي إلى وجوب التحرر من ظلم واستبداد دام ما يزيد على أربعين سنة، بددت فيها ثروات الشعب ودجنت فيها النخب المثقفة، فكان لفتواه الأثر المدوي في نفوس الشعب الليبي ولم يكن يتسنى للشيخ أن يسطر تلك الفتوى في ذلك الجو الرهيب لولا شعوره بعظم الأمانة التي ألقى الله تعالى على أعناق العلماء واستصحابه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله".

وفي بلاد المغرب يتصدر الركب علامة المقاصد تلميذ الشاطبي الدكتور أحمد الريسوني الذي دعى في فتاواه وبرامجه الإعلامية الشعوب المسلمة إلى ضرورة التحرر والتخلص من حكام فقدوا شرعيتهم بظلمهم واستباحتهم لدماء شعوبهم ومن أراد الخبر اليقين فليرجع إلى الحلقة التي أجرتها معه قناة الجزيرة والتي تحدث فيها عن مفهوم ولي الأمر وحدود طاعته وما ينبغي أن يكون عليه العلماء في استشعارهم لمسؤولياتهم وعدم خوفهم إلا من الله تعالى، بل ذكر الشيخ أن العالم ينبغي أن يتحرر من سلطة الجميع سواء من كان من جمهوره أو ممن يرهبون عادة كالسلاطين، وذكر أهمية أن يتربى طلاب العلم على نزع الخوف مستشعرين قول الله تعالى: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله).

وفي بلاد المنكب البرزخي يحمل اللواء فقيه العصر ومحدثه الشيخ محمد الحسن ولد الددو الذي ظلت آثاره المباركة في أرض المنارة والرباط شاهدا على صدق ما يحمله الرجل من هم إصلاح لبلده وأمته، وقد تعرض في سبيل ذلك للسجن والاعتقال وأنواع الإغراءات والضغوط من طرف الأنظمة السياسية المتعاقبة على البلد، وظل الشيخ ممن وصفهم الرافعي "كأن مادتهم من السحب فيها لغيرهم الظل والماء والنسيم وفيها لأنفسهم الطهارة والعلو والجمال، يثبتون للضعفاء أن غير الممكن ممكن بالفعل، إذ لا يرى الناس في تركيب طباعهم إلا الإخلاص وإن كان حرمانا، وإلا المروءة وإن كانت مشقة" هو بحق مفخرة شنقيط في علمه وزهده وسمته وقيامه لله بالحق والقسط وعليه وعلى أمثاله تعقد الآمال في أي تغيير وإصلاح ينتظر هذا البلد المبارك، فهو بدر ينير الظلم، وشمس تحرق ركام الباطل، وغيث يصوب ماء نميرا على ربوع تلك البلاد. وما أروع ما قاله أحد الشعراء لمن سجنوا الشيخ!

امنعوا البدر أن يجوب السماء *** وامنعوا الشمس أن تبث الضياء
وامنعوا نفحة النسيم هبوبا *** حاصروه ابسطوه عليه رداء
إلى أن قال:

اسجنوا العالم التقي المزكى *** مالك العصر رفعة وسناء
مجد شنقيط ترجمان المعاني *** مورث الخلق إرثه الأنبياء

تلك نماذج مشرقة مثلت سمت علماء السلف في وقوفهم مع مصالح الأمة وعدم ركونهم للدنيا، ورغبتهم في ما عند الله عز وجل. قال الله تعالى: (قل هل أنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق